الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.هزيمة السلطان مسعود واستيلاء طغرلبك على مدائن خراسان وأعمالها. ولما تغلبت السلجوقية على نواحي خراسان وفضوا عساكر السلطان وهزموا الحاجب سباسي اهتز السلطان لذلك وأجمع لخراسان الحشد وبث العطاء وأزاح العلل وسار من غزنة في الجيوش الكثيفة والفيلة العديدة على التعبية المألوفة ووصل إلى بلخ ونزل بظاهرها وجاء داود بأحيائه فنزل قريبا منه وأغار يوما على معسكره فساق من باب الملك مسعود عدة من الجنائب المقربات معها الفيل الأعظم وارتاع الملك لذلك وارتحل مسعود من بلخ في رمضان ستة تسع وعشرين وأربعمائة ومعه مائة ألف مقاتل ومر بالجوزجان فصلب الوالي الذي كان بها للسلجوقية وانتهى إلى مرو الشاهجان ومضى داود إلى سرخس واجتمع معه أخوه طغرلبك وبيقو وبعث إليهم السلطان في الصلح فوفد عليه بيقو فأكرمه السلطان وخلع عليه وأجابه هو عن أصحابه بالامتناع من الصلح للخوف من السلطان وسار من عند السلطان فسقط في يده وسار في اتباعهم من هراة إلى نيسابور ثم سرخس كلما تبعهم إلى مكان هربوا منه إلى آخر حتى أظلهم فصل الشتاء فأقاموا بنيسابور ينتظرون انسلاخه فانسلخ والسلطان عاكف على لهوه غافل عن شأنه حتى انقضى زمن الربيع واجتمع وزراؤه وأهل دولته وعذلوه في إهمال أمر عدوه فسار من نيسابور إلى مرو في طلبهم فدخلوا المفازة فدخل وراءهم مرحلتين وقد ضجر العسكر من طول السفر وعنائه وكانوا منذ ثلاث سنين منقلبين فيه منذ سفرهم مع سباسي فنزل بعض الأيام في منزلة على قليل من الماء وازدحم الناس على الورود واستأثر به أهل الدولة والحاشية فقاتلهم عليه الجمهور ووقعت في العساكر لذلك هيعة وخالفهم الدعرة إلى الخيام ينهبون ويتخطفون وكان داود وأحياؤه متابعا للعسكر على قرب يتخطف الناس من حولهم فشعر بتلك الهيعة فركب في قومه وصدم العساكر وهم في تلك الحال فولوا منهزمين والسلطان والوزير ثابتان في موقفهما يحرضان الناس على الثبات فلم يثبت أحد فانصرفا مع المنهزمين في فل وأتبعهم داود وأثخن فيهم بالقتل ثم رجع إلى العسكر وقد غنمه أصحابه فآثرهم بالغنائم وقسم فيهم ما حصل له وقعد على كرسي السلطان وأقام عسكره ثلاثة أيام ولياليها على ظهر خشية من كر العسكر السلطانية عليهم ونجا السلطان إلى غزنة فدخلها في شوال سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة وقبض على سباسي وغيره من الأمراء وسار طغرلبك إلى نيسابور فملكها آخر إحدى وثلاثين وأربعمائة ونهب عسكره أهلها وكان بها هرج عظيم من الدعرة وكانوا ينالون من الناس بالنهب والزنا والقتل فارتدعوا لذلك لهيبة طغرلبك وسكن الناس وملك السلجوقية البلاد فسار بيقو إلى هراة فملكها وسار داود إلى بلخ وبها الحاجب التوتناش فأستخلفه السلطان عليها فأرسل إليه داود في الطاعة فسجن الرسل وناصره داود وبعث السلطان مسعود جيشا كثيفا لإمداده ودفع السلجوقية عن البلاد فسار فريق منهم إلى الرخج فدفعوا من كان بها من السلجوقية وهزموهم وافحشوا في قتلهم وأسرهم وسار فريق منهم إلى بيقو في هراة فقاتلوه ودفعوه عنها ثم بعث السلطان ابنه مودود بعساكر أخرى وجعل معه وزيره أبا نصر أحمد بن محمد بن عبد الصمد يدبره فسار عن غزنة سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة فلما قارب بلخ وداود يحاصرها بعث داود جماعة من عسكره فلقوا طلائع مودود فهزمهم فلما وصلت منهزمة تأخر مودود عن نهايته وأقام وسمع التوتناش بأحجام مودود عنه فأطاع داود وخرج إليه..خلع السلطان مسعود ومقتله وولاية أخيه محمد مكانه. ولما بعث السلطان ولده مودود إلى خراسان لمدافعة السلجوقية عنها وأقام بعده سبعة أيام وخرج من غزنة في ربيع سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة يريد الهند للمشتى به على عادة أبيه ويستنفر الهنود لقتال السلجوقية واستصحب أخاه محمدا المسمول معه.وكان أهل الدولة قد ضجروا منه فتفاوضوا في خلعه وولاية أخيه محمد وأجمعوا ذلك فلما عبروا نهر سيحون وتقدم بعض خزائن فتخلف أنوش تكين البلخي في جماعة من الغلمان الفداوية ونهبوا بقية الخزائن وبايعوا لمحمد المسمول وذلك في منتصف ربيع الآخر من السنة وافترق العسكر واقتتلوا وعظم الخطب وانهزم السلطان مسعود وحاصروه في رباط هناك ثم استنزلوه على الأمان وخيره أخوه محمد في السكنى فاختار مسعود قلعة كيدي فبعث إليها وأمر بإكرامه ورجع محمد بالعساكر إلى غزنة وفوض إلى ابنه أحمد أمر دولته وكان أهوج فاعتزم على قتل عمه مسعود وداخل في ذلك عمه يوسف وعلي خشاوند فوافقوه عليه وحرضوه فطلب من أبيه خاتمه ليختم به بعض خزائنهم وبعث به إلى القلعة مع بعض خدمه ليؤدي رسالة مسعود وهو بخراسان يعتذر بأن أولاد أحمد نيال تكين قتلوا السلطان مسعود قصاصا بأبيهم فكتب إليه يتوعده ثم طمع الجند في السلطان محمد ومدوا أيديهم إلى الرعايا ونهبوها وخربت البلاد وارتحل عنها محمد وكان السلطان مسعود شجاعا كريما غزير الفضل حسن الخط سخيا محبا للعلماء مقربا لهم محسنا إليهم وإلى غيرهم من ذوي الحاجات كثير الصلات والعطاء والجوائز للشعراء حليت تصانيف العلوم باسمه وكثرت المساجد في البلاد بعمارته وكان ملكه فسيحا ملك أصفهان وهمذان والري وطبرستان وجرجان وخراسان وخوارزم وبلاد الدارون وكرمان وسجستان والسند والرخج وغزنة وبلاد الغور وأطاعه أهل البر والبحر وقد صنف في أخباره ومناقبه.
|